الحديثين

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ) رواه البخاري (33) ومسلم (59)

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَر)

رواه البخاري (34) ومسلم (58)

ثانيا:

معنى كون هذه الصفات من علامات النفاق

الكذب، وإخلاف الوعد، والخيانة، والغدر، والفجور عند المخاصمة: من أبرز صفات المنافقين من أهل المدينة الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والقرآن مليء بالآيات التي تصف حالهم هذا، وهم إنما عرفوا بها، والله عز وجل يقول: (وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) محمد/30.

فإذا اتصف أحد المسلمين - الذين يشهدون بكلمة التوحيد - بشيء من هذه الصفات: فقد اتصف بصفات المنافقين التي ذمها الله عز وجل، وعمل أعمالهم، وحصل له من النفاق بقدر ما عمل.

ولكن ذلك لا يستلزم أن يكون هذا المسلم المتصف بالخيانة أو الكذب مثلا قد خرج عن الإيمان بالكلية ؛ لأن الإيمان يرفعه درجاتٍ عن النفاق، ولكنه يحاسب على هذه الأخلاق الذميمة، ولذلك يسمِّي العلماء هذه الآفات المهلكات بـ: "النفاق العملي"، يقصدون أن المتصف بها آثم مستحق للعقوبة، ولكنه ليس في درجة المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر.

ولذلك ذهب العلماء في تأويل هذا الحديث إلى خمسة أقوال:

1- المقصود بالحديث هو تشبيه المسلم المتصف بهذه الأخلاق الذميمة بالمنافق، فالحديث على سبيل المجاز وليس على سبيل الحقيقة، وهذا جواب النووي.

2- المقصود بالنفاق هنا النفاق العملي، وليس النفاق الاعتقادي، وهذا جواب القرطبي، ورجحه الحافظ ابن رجب، والحافظ ابن حجر العسقلاني، وهذا أرجح الأقوال.

3- وقيل المراد بإطلاق النفاق الإنذار والتحذير عن ارتكاب هذه الخصال، وهذا ارتضاه الخطابي.

4- المراد: من اعتاد هذه الصفات حتى أصبحت له سجية وخلقا دائما، حتى تهاون بها، واستخف أمرها، فهذا كأنه مستحل لها، ومثله يغلب عليه فساد الاعتقاد.

5- المقصود بالحديث ليس المسلمين، وإنما المنافقون الحقيقيون الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ضعَّف هذا الوجه الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (1/430).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

"قال النووي: هذا الحديث عده جماعة من العلماء مشكلا من حيث إن هذه الخصال قد توجد في المسلم المجمع على عدم الحكم بكفره. قال: وليس فيه إشكال، بل معناه صحيح، والذي قاله المحققون إن معناه: أنَّ هذه خصال نفاق، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومتخلق بأخلاقهم.

قلت – أي الحافظ ابن حجر -: ومحصل هذا الجواب الحمل في التسمية على المجاز، أي: صاحب هذه الخصال كالمنافق، وهو بناء على أن المراد بالنفاق نفاق الكفر.

وقد قيل في الجواب عنه: إن المراد بالنفاق نفاق العمل كما قدمناه. وهذا ارتضاه القرطبي واستدل له بقول عمر لحذيفة: هل تعلم فيَّ شيئا من النفاق ؟ فإنه لم يرد بذلك نفاق الكفر، وإنما أراد نفاق العمل.

ويؤيده وصفه بالخالص في الحديث الثاني بقوله: (كان منافقا خالصا).

وقيل: المراد بإطلاق النفاق الإنذار والتحذير عن ارتكاب هذه الخصال، وإن الظاهر غير مراد، وهذا ارتضاه الخطابي.

وذكر أيضا أنه يحتمل أن المتصف بذلك هو من اعتاد ذلك وصار له ديدنا. قال: ويدل عليه التعبير بإذا، فإنها تدل على تكرر الفعل. كذا قال.

والأولى ما قال الكرماني: إن حذف المفعول من "حدث" يدل على العموم، أي: إذا حدث في كل شيء كذب فيه. أو يصير قاصرا، أي إذا وجد ماهية التحديث كذب.

وقيل: هو محمول على من غلبت عليه هذه الخصال، وتهاون بها، واستخف بأمرها، فإن من كان كذلك كان فاسد الاعتقاد غالبا.

وهذه الأجوبة كلها مبنية على أن اللام في المنافق للجنس.

ومنهم من ادعى أنها للعهد فقال: إنه ورد في حق شخص معين، أو في حق المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وتمسك هؤلاء بأحاديث ضعيفة جاءت في ذلك لو ثبت شيء منها لتعين المصير إليه.

وأحسن الأجوبة ما ارتضاه القرطبي. والله أعلم" انتهى.

"فتح الباري" (1/90-91).

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله:

"الذي فسره به أهل العلم المعتبرون أن النفاق في الشرع ينقسم إلى قسمين: أحدهما النفاق الأكبر، وهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه، وهذا هو النفاق الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم، وأخبر أن أهله في الدرك الأسفل من النار.

والثاني: النفاق الأصغر، وهو نفاق العمل: وهو أن يظهر الإنسان علانية صالحة، ويبطن ما يخالف ذلك.

وحاصل الأمر: أن النفاق الأصغر كله يرجع إلى اختلاف السريرة والعلانية كما قاله الحسن، والنفاق الأصغر وسيلة إلى النفاق الأكبر، كما أن المعاصي بريد الكفر، وكما يخشي على من أصر على المعصية أن يُسلب الإيمان عند الموت، كذلك يخشي على من أصر على خصال النفاق أن يسلب الإيمان فيصير منافقا خالصا. وسئل الإمام أحمد: ما تقول فيمن لا يخاف على نفسه النفاق ؟ قال: ومن يأمن على نفسه النفاق" انتهى باختصار.

"جامع العلوم والحكم" (1/429-432)

ثالثا: أخلاق المنافقين المذمومة هذه ليست على سبيل الحصر، وإنما على سبيل المثال.

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:

"وجه الاقتصار على هذه العلامات الثلاثة أنها منبهة على ما عداها، إذ أصل الديانة منحصر في ثلاث: القول، والفعل، والنية. فنبَّه على فساد القول بالكذب، وعلى فساد الفعل بالخيانة، وعلى فساد النية بالخلف" انتهى.

"فتح الباري" (1/90)

رابعا: معنى الفجور عند المخاصمة

يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله:

" (إذا خاصم فجر) يعني بالفجور: أن يَخرج عن الحق عمدا حتى يصيِّرَ الحق باطلا والباطل حقا، وهذا مما يدعو إليه الكذب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار)، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم)، فإذا كان الرجل ذا قدرة عند الخصومة – سواء كانت خصومته في الدين أو في الدنيا – على أن ينتصر للباطل، ويخيل للسامع أنه حق، ويوهن الحق، ويخرجه في صورة الباطل، كان ذلك من أقبح المحرمات، وأخبث خصال النفاق، وفي سنن أبي داود عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع) وفي رواية له أيضا: (ومن أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله)" انتهى باختصار.

" جامع العلوم والحكم " (1/432)

ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

"(إذا خاصم فجرimmoral in disputes ) الخصومة: هي المخاصمة عند القاضي ونحوه، فإذا خاصم فجر.

والفجور في الخصومة على نوعين:

أحدهما: أن يدعي ما ليس لهclaims what he/she does not deserve .

والثاني: أن ينكر ما يجب عليهdeny what he/she owes .

مثال الأول: ادعى شخص على آخر فقال عند القاضي: أنا أطلب من هذا الرجل ألف ريال، وهو كاذب، وحلف على هذه الدعوى، وأتى بشاهد زور، فحَكَم له القاضي، فهذا خاصم ففجر ؛ لأنه ادعى ما ليس له، وحلف عليه.

مثال الثاني: أن يكون عند شخص ألف ريال فيأتيه صاحب الحق فيقول: أوفني حقي، فيقول: ليس لك عندي شيء، فإذا اختصما عند القاضي ولم يكن للمدعى بينة حلف هذا المنكر الكاذب في إنكاره أنه ليس في ذمته له شيء، فيحكم القاضي ببراءته، فهذه خصومة فجور، والعياذ بالله.

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من حلف على يمين صبر ليقتطع بها حق امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان) نعوذ بالله.

وهذه الخصال الأربع إذا اجتمعت في المرء كان منافقا خالصا ؛ لأنه استوفى خصال النفاق والعياذ بالله، وإذا كان فيه واحدة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها" انتهى باختصار.

"شرح رياض الصالحين" (4/49-50).

خامسا: في هذا الحديث دليل على أن المسلم قد تجتمع فيه خصال الخير والشر

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

"فيه أيضا دليل على أن الإنسان قد يجتمع فيه خصال إيمان وخصال نفاق، لقوله: (كان فيه خصلة من النفاق) هذا مذهب أهل السنة والجماعة: أن الإنسان يكون فيه خصلة نفاق وخصلة فسوق، وخصلة عدالة، وخصلة عداوة، وخصلة ولاية، يعني أن الإنسان ليس بالضرورة أن يكون كافرا خالصا، أو مؤمنا خالصا، بل قد يكون فيه خصال من الكفر، وهو مؤمن، وخصال من الإيمان" انتهى.

"شرح رياض الصالحين" (4/50).

وينظر الأجوبة الآتية: (12387)، (23317)، (30861)

والله أعلم.

 


في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا عاهد أخلف، وإذا خاصم فجر)، هل تتفضلون بتوضيح هذا الحديث وخصوصاً إذا خاصم فجر، فهل يعني الرسول - صلى الله عليه وسلم- سرعة الغضب، أم ماذا يعني؟

 

الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن المنافقين بخصال لحذرنا منها حتى نبتعد منها يقول - صلى الله عليه وسلم -: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان) يحذرنا من إخلاف الوعد، ومن الكذب في الحديث والأخبار، ومن الخيانة في الأمانة وأنها من خصال النفاق نعوذ بالله، فيجب الحذر منها، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: (أربعٌ من كنَّ فيه كان منافقاً خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر) رواه الشيخان من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -. فهذا يدل على أن المنافق من خصاله إخلاف الوعد والكذب في الحديث والخيانة في الأمانة وأنه إذا خاصم فجر، ومن الفجور التوسع في المعصية والكذب، وإذا عاهد غدر إذا عاهد إخوانه أو عاهد الكفار غدر بهم فلم يوف بالعهد لضعف إيمانه أو عدم إيمانه، وإذا خاصم كذب في خصومته، وتوسع في الكذب والفجور وظلم لعدم إيمانه أو لضعف إيمانه، فالفجور هو التوسع في المعصية وإظهارها ــ فالحاصل أنه يتوسع في الكذب والعدوان على الخصم واللدد في الخصومة، لضعف إيمانه أو عدم إيمانه نعوذ بالله، هكذا شأن المنافقين لعدم إيمانهم ولهم صفات بينها الله في القرآن غير هذه الصفات قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء) هذه من صفاتهم، الخداع والمكر والعدوان على الناس، ومن خصالهم التكاسل عن الصلاة والتثاقل عنها، وقلة الذكر، يعني يغلب عليهم الغفلة، ومن خصالهم الرياء في أعمالهم يصلون رياءً يتصدقون رياءً يدعون الله رياءً، ومن خصالهم الخبيثة أنهم مالهم ثبات عندهم تردد تارةً مع المؤمنين وتارةً مع الكافرين، قد ترددوا في دينهم وتذبذبوا ولهذا قال: (مذبذبين) يعني ليس لهم ثبات، لا مع أهل الحق ولا مع أهل الباطل، هم مع من رأوا المصلحة أن يكونوا معه في دنياهم، فإن نصر الكفار صاروا معهم، وإن نصر المؤمنون صاروا معهم لطلب الدنيا والأمان ونحو ذلك نسأل الله العافية هذه حالهم عدم الثبات.

 

....أيها الناس أتقوا الله تعالى وأدوا ما حمّلتم من الأمانة فحملتموه لقد عرض الله) الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً)(الأحزاب: من الآية72) أدوا الأمانة يا عباد الله6/30 يا من تحمّلتموه أدوها بالقيام بما أوجب الله عليكم من عبادته أدوها بما أوجب الله عليكم....

الحمد لله الذي جعل الأمانة في قلوب الرجال بعد أن أبى عن حملها السموات والأرض والجبال جعل الأمانة في قلوب بني آدم ذكورا وإناثا لأنه ركب فيهم عقولا بها يفقهون وبصائر بها يهتدون فتحملوا الأمانة مخاطرين ليعلوا بأدائها إلى درجة المؤمنين المتقين أو لينزلوا بإضاعتها إلى أسفل السافلين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين خلق فأتقن وشرع فأحكم وهو أحسن الحاكمين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي بلّغ رسالة ربه وأدى أمانته على الوجه الأكمل وعبد ربه حتى أتاه اليقين فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..

أما بعد

أيها الناس أتقوا الله تعالى وأدوا ما حمّلتم من الأمانة فحملتموه لقد عرض الله) الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً)(الأحزاب: من الآية72) أدوا الأمانة يا عباد الله يا من تحمّلتموه أدوها بالقيام بما أوجب الله عليكم من عبادته أدوها بما أوجب الله عليكم من عبادته وحقوق عباده ولا تخونوا الله ورسوله وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون لا تخونوا في ذلك بإفراط أو تفريط بزيادة أو نقص فإن الخيانة نقص في الإيمان وسبب للخسران والحرمان وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا إيمان لمن لا أمانة له)وقال صلى الله عليه وسلم آية المنافق ثلاث أي علامة المنافقين التي يتميزون بها وخلقهم الذي يتخلّقون به آية المنافق ثلاث: (إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان. وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم: إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل قادر لواء فيقال هذه قدرة فلان بن فلان يرفع له هذا اللواء فضيحة له بين الخلائق وخزيا وعارا، أيها المسلمون إن الأمانة في العبادة والمعاملة أما الامانة في المعاملة فأن تقوم بطاعة الله مخلصا له متبعا لرسوله صلى الله عليه وسلم تمتثل أوامر الله وتجتنب نواهيه تخشى الله في السر والعلانية تخشى ربك الذي يراك حيث يراك الناس وحيث لا يرونك لا تكن ممن يخشى الله في العلانيه ويعصيه في السر فإن هذا هو الرياء ألم تعلم أن الله يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور ألم تعلم أن الله يعلم ما توسوس به نفس الإنسان ألم تعلم أن الله أنكر على من هذه حاله بقوله)أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (الزخرف:80) وقال سبحانه)أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ) (البقرة:77) وقال جل ذكره)يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) (النساء:108) أيها المؤمن كن متقيا لله لا لعباد الله إن العباد لو أجتمعوا على أن ينفعوك بشئ لم ينفعوك إلا بشئ قد كتبه الله لك ولو أجتمعوا على أن يضروك بشئ لم يضروك إلا بشئ قد كتبه الله عليك إن الذي بيده ملكوت كل شئ هو الله وحده لا شريك له لا تداهن أحدا في طاعة الله وفي دين الله أتق الله حيث ما كنت حتى تكون مؤديا للأمانة في عبادة ربك، وأما الأمانة في المعاملة فأن تعامل الناس بما تحب ان يعاملوك به من النصح والبيان وأن تكون حافظا لحقوقهم المالية وغير المالية من كل ما أستأمنت عليه لفظا أو عرفا تكون الأمانة بين الرجل وزوجته فيجب على كل منهما أن يحفظ الآخر في ماله وسره فلا يحدث أحد بذلك فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن من شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى أمرأته وتفضي إليه ثم ينشر أحدهما سر صاحبه) وتكون الأمانة بين الرجل وصاحبه يحدثه بحديث سر يعلم أنه لا يحب أن يطلع عليه أحد ثم يفشي سره ويحدث به الناس وفي الحديث: (إذا حدث الرجل رجلا بحديث ثم ألتفت فهو أمانة). لأن إلتفاته دليل على أنه لا يحب أن يسمعه أحد وتكون الأمانة في البيع والشراء والإيجار والإستئجار فلا يجوز للبائع أن يخون المشتري بنقص في الكيل أو الوزن أو زيادة الثمن أو كتمان العيب أو تدليس في الصفة ولا يجوز للمشتري أن يخون البائع بنقص في الثمن أو إنكار أو مماطلة مع القدرة على الوفاء ولا يجوز للمؤجر أن يخون المستأجر بنقص من مواصفات الأجرة أو غير ذلك ولا يجوز للمستأجر أن يخون المؤجر بنقص الأجرة أو إنكارها أو تصرف يضر المستأجر من دار أو دكان أو آلة أو مركوب وتكون الأمانة في الوكالات والولايات فيجب على الوكيل أن يتصرف بما هو أحسن ولا يجوز أن يخون موكّله فيبيع السلعة المؤكل في بيعها بأقل بأقل من قيمتها محاباة للمشتري أو يشتري السلعة الموكلة بشرائها بأكثر من قيمتها محاباة للبائع ولقد سمعنا أن بعض الناس الذين يشترون للحكومة يأخذون السلعة من التجار بثمن ثم يقولون للتاجر قيدها في الفاتورة بثمن أكثر فيخونون ولاة الأمور ويأخذون أكثر مما دفعوا وهم بذلك خائنون للأمانة آكّالون للسحت والبائع الذي يوافقهم على ذلك شريك لهم في الإثم والعدوان والخيانة إن مال الحكومة كغيره من مال المسلمين مال يحترم لا يجوز للإنسان أن يأخذه إلا بحقه بحقه الذي يعرف أنه إذا سئل عنه يوم القيامة أجاب بالجواب الصحيح وإن من الخيانة أولئك المدراء أو الرؤساء الذين يخلقون أعمالا لا حاجة لجهة العمل بها من أجل أن يشتغلوا خارج الدوام أو في الإنتداب محاذاة ومراعاة وهذا أيضا حرام عليهم ولا يجوز لهم ومن أعطي عملا خارج الدوام وهو يعلم أن الجهة ليست بحاجة إلى هذا العمل فإنه لا يجوز له أن يوافق مديره على ذلك وعليه أن يتخلّى عن العمل وعليه أن ينصح مديره عن هذه الخيانة التي خان بها الدولة فإن لم يتق الله ويدع ذلك فإن عليه أن يرفع الأمر إلى من فوقه ويخبرهم بأن هذا شكّل عملا خارج الدوام ليست الجهة بحاجة إليه ونحن إذا تعاونا مع الدولة في أداء الأمانة حصل بذلك خير كثير أما إذا كنا مشابهين لليهود في أكل السحت وأكل المال المحرم فإن ذلك يؤذن بخطر عظيم نسأل الله العافية أيها المؤمنون إن الأمانة تكون في الولايات فكل من كان واليا على شئ خاص أو عام فهو أمين عليه يجب أن يؤدي الأمانة فيه فالقاضي أمين والأمير أمين ورؤساء الدوائر ومديروها أمناء يجب عليهم أن يتصرفوا فيما يتعلق بولايتهم التي هي أحسن في ولايتهم وفيما ولووا عليه حسب ما يستطيعون وأولياء اليتامى وناظر الأوقاف وأوصياء الوصايا كل هولاء أمناء يجب عليهم أن يقوموا بالأمانة بالتي هي أحسن ألا وإن من الأمانة ما يتصل بالثقافة والإرشاد والتعليم فعلى القائمين على ذلك من مخططي المناهج ومديري الأقسام المشرفين عليها عليهم جميعا أن يراعوا الأمانة في ذلك بإختيار المناهج الصالحة والمدرسين الصالحين المصلحين وتثبيت الطلبة علميا وعمليا دينا ودنيا عبادة وخلقا وإن من الأمانة في ذلك حفظ الإختبار من التلاعب والتهاون حفظه في وضع الأسئلة بحيث تكون في مستوى الطلبة عقليا وفكريا وعلميا وعمريا لأنها إن كانت فوق مستواهم أضرت بهم وحطمتهم وأضاعت كل عامهم الدراسي وإن كانت الأسئلة دون مستواهم أضرت بمستوى الثقافة العامة في هذه البلاد وحصل بذلك تأخر عظيم في العلم من أجل المراعاة أو المحاباة أو النظر إلى الأمور بعين العاطفة وأعلم أيها المؤمن أن النظر إلى الأمور بعين العاطفة يفوّت خيرا كثيرا وإنما الواجب النظر إلى الأمور بعين العقل والحكمة إننا كلنا نعلم أن الله تعالى رؤوفٌ رحيمٌ وأنه أرحم بعباده من الوالدة لولدها ومع ذلك قال)الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)(النور: من الآية2) هكذا يقول الرؤوف الرحيم جل وعلا يقول)وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّه)(النور: من الآية2) فالإنسان يجب عليه أن ينظر إلى الأمور بعين العقل والحكمة بمقتضى الشريعة لا بمقتضى الهوى والعاطفة وعلى أهل الإختبار أن يحفظوا الإختبار وقت الإجابة على الأسئلة بحيث يختار للمراقبة رجل حازم أو إمراة حازمة فيما يتعلق بإختبار النساء لا يدع فرصة للتلاعب ولا يحابي إبنا لقريب ولا لصديق لأنهم هنا أعني الطلبة على درجة واحدة كلهم في ذمة المراقب وهم سواء وعلى مصحح الإجابة أن يكون تصحيحهم دقيقا لا يتجاوز فيه ما يسمح به النظام حتى لا يظلم أحدا على حساب الآخر ولا ينزّل طالبا إلا في منزلته التي هي يستحقها أيها المؤمنون إننا إذا حافظنا على هذه الأمانة في عبادة الله وفي معاملة عباد الله فقد قمنا ببراءة ذمتنا ونزاهة مجتمعنا وقوة مستواه الديني والثقافي إن حفظ الأمانة في كل شيء هو من مصلحة الأمة كلها ومن مصلحة الراعي والرعية فعلينا أن نلاحظ ذلك حتى نخرج عند السؤال بجواب لا نضيع فيه بجواب ينجينا عند الله عز وجل اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا وفي إنتظار فريضة من فرائضك أن توفقنا لأداء الأمانة وأن تجنبنا مواقع الخيانة اللهم وفقنا لإبراء ذمتنا من الواجب علينا حتى نقوم به على الوجه الذي ترضاه عنا يا رب العالمين اللهم أحفظنا من إضاعة الأمانة ومن التساهل فيها إنك جواد كريم اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الحمد في الآخرة والأولى وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى وخليله المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهداهم إهتدى وسلم تسليما..

أما بعد

أيها الناس فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من غشّ فليس منا) من غشّ فليس منا من غشّ فليس منا قالها النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة وأنا أقولها هنا ثلاثا للتأكيد عليكم بأن النبي صلى الله عليه وسلم تبرأ من الذين يغشون ولم يستثني النبي صلى الله عليه وسلم غشا دون غش بل جعل ذلك عاما لأن من الشرطية تعم كما هو معروف عند أهل العلم وكما هو مقتضى اللغة العربية فكل من غش في موضع الإئتمان فقد تبرأ منه النبي صلى الله عليه وسلم ولا فرق بين ذلك فيما يتعلق بالأمور الخاصة كالبيع والشراء والإيجارة وما أشبه ذلك من المعاملات الفردية أو ما يتعلق بالأمور العامة كمسألة التعليم وإن بعض الطلبة نسأل الله لنا ولهم الهداية يخادعون المراقب فيغشون يغشون في بعض الدروس حتى إنني سمعت أن بعض الناس يقول إنه يجوز الغش في مادة تعلم اللغة الإنجليزية وهذا قول خطأ هذا مخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من غشّ فليس منا) وإذا كنت تعترف أن ذلك غش فما الذي يخرجه من عموم هذا الحديث إذا كنت أيها الطالب تعتقد أن الغش في إمتحان اللغة الإنجليزية أنه غش فما الذي يخرجه من هذا الحديث؟ إذن فإذا غششت في هذه المادة فإنك قد عرّضت نفسك للبراءة منك لبراءة النبي صلى الله عليه وسلم منك ولا ريب أن الدارس إذا دخل في هذه المدرسة وفيها مادة اللغة الإنجليزية لا ريب أنه أخذ على نفسه تعهدا بأن يكون فاهما لها كما يفهم غيرها من الدروس وإذا كانت الدولة وفقها الله قد جعلت الشهادة مرتبة على أن يخرج الإنسان من جميع المواد متقنا لها فإنك إذا خرجت وأنت لم تتقن اللغة الإنجليزية و هي في المواد التي دخلت على إلتزامها فإنك بهذا لا تستحق هذه الشهادة وإذا لم تستحق هذه الشهادة فإنك لا تستحق المرتبة التي تتترتب عليها ولا الراتب الذي يترتب على هذه الشهادة إذن فالمسألة خطيرة والواجب على الطالب أن يكون نزيها في إختباراته ولا يعوّد نفسه مثل هذا العمل الذي يعتبر مخالفاً للأمانة تماما وهو إذا عوّد نفسه الجد والإجتهاد وعدم الغش والخيانة فإنه سيكون بحول الله مبرزاً على أبناء جنسه، فأتقوا الله أيها المؤمنون وأتقوا الغش والخيانة فإن الله يقول)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (لأنفال:27))وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (لأنفال:28) واعلموا أن خير الحديث كتاب الله وأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وأن شر الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار فعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذّ شذّ في النار وأعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال جل من قائل عليما)إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (الأحزاب:56) يا له من نبأ عظيم وشرف كبير لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون الله رب العزة جل وعلا يصلي عليه وأن تكون الملائكة الكرام يصلون عليه ثم يأمرنا ربنا بصفة الإيمان أن نصلي عليه ونسلم تسليما فسمعا وطاعة لربنا اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد الذي بشر وأنذر وبلغ وأدى الأمانة حق الأداء اللهم صلي وسلم عليه اللهم أرزقنا محبته وأتباعه ظاهرا وباطنا اللهم توفنا على ملته اللهم أحشرنا في ذمرته اللهم أسقنا من حوضه اللهم أدخلنا في شفاعته اللهم أجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين اللهم أرضى عن خلفائه الراشدين وعن أولاده الغر الميامين وعن زوجاته أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أرضى عنا معهم وأصلح أحوالنا كما أصلحت أحوالهم يا رب العالمين اللهم أصلح للمسلمين ولاة أمورهم اللهم أصلح للمسلمين ولاة أمورهم اللهم أصلح للمسلمين ولاة أمورهم صغيرهم وكبيرهم يا رب العالمين اللهم هيئ لولاة أمور المسلمين بطانة صالحة تدلهم على الخير وتحثهم عليه اللهم أبعد عنهم كل بطانة سوء يا رب العالمين اللهم من كان من بطانة ولاة أمورنا غير مستقيم على دينك وغير ناصح له ولا لعبادك اللهم فأبعده عن ولاتنا وأبدلهم بخير منه يا رب العالمين اللهم أصلح لولاة أمور المسلمين بطانة صالحة اللهم أصلح رعيتنا ورعاتنا اللهم أهدنا جميعا صراطك المستقيم اللهم أجعلنا آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر داعين إليك على بصيرة يا رب العالمين اللهم أجعلنا أمة صالحة مصلحة اللهم أجعلنا أمة هادية مهدية اللهم وفقنا لما وفقت عبادك الصالحين يا رب العالمين ربنا أغفر لنا ولأخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين أمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم، عباد الله)إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل:90) وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون وأذكروا الله العليم الجليل يذكركم وأشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.